كلمة مشتقة من الصدق ، فالصديق يصدقك وده، فيفرح لفرحك و يحزن لترحك، و تأنس نفسك بملقاه و يوحش صدرك ببعده و مفارقته.
و إني في السنوات ٢٣ التي عشتها خبرت ٥ أنواع من الأصدقاء الآدميين - فالكتاب و القلم و المدونة نعمة الأصدقاء هم إلا أنهم من جنس أخر .
فالنوع الأول صديق السوء الذي لا يأتيك منه إلا سوء. فإذا كلّمته تجهّم في وجهك و تعالى عليك، و ربما تبسّم يوما لك و في كلامه من الإستهزاء و السخرية ما يضيق به صدرك ، و الغريب في الأمر أنك لو خطَطتَ جُمَلَه ثم قرأتَها لَبَدَا لك أنها كلمات صديق راع لك مهتم لأمرك بما ينفعك, و لكنك حين تسمعها منه تحسها سهاما موجهة إلى صدرك, غايتها إثبات دونيتك و أفضليته هو. كاننا في منافسة الرابح فيها من يحطم معنويات الآخر. و تجد نفسك تشهق شهيقا عميقا عندما تعلم أنه أتى يزورك. و ترى الكلمات تخرج على مضض و تتكلف نفسك أيما تكلف لتظهر السرور و عدم الاضطراب ل"صديقك" . و فوق هذا الضنك و الغم تجد نفسك تغتابه مع مقربيك - إلا من رحم ربي. فمالنا وهذا الهم دنيا وآخر ة.
و قد صدق الشافعي رحمه الله حين قال :
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا **** فدعه و لا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال و في الترك راحة **** و في النفس صبر للحبيب و لو جفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة **** فلا خير في ود يجيء تكلفا
ثم هناك صديق السوء الطيب. فعندما تلتقيان تكثر رواياته عن أسرار الناس و عما يفعله الناس و عن الجديد في حياة المعارف، و لا تخلو هذه الروايات من سخرية و إستهزاء بخلق الله؛ و لكنك إن قدت الدفة و كلمته عن برنامجك في حفظ القرآن مثلا أو في تعلم العلم الشرعي، وجدت منه استحسانا و إهتماما كبيرين. كما أن هذا الصديق يعذرك إن إنقطعت أخبارك و يبادر بالاتصال بك ليطمئن عليك، و إن استمحته عذرك، و إن تبسمت في وجهه عانقك ، فتحس نفسك مرتاحة معه. فنعم الصديق هو إن أنت استوصيت به خيرا و وجهته عسى أن يتوب الله عليه من الغيبة و النميمة، و من يدري ؟ ربما أنت أيضا من هذا النوع.
ثم هناك النوع الثالث : الصديق المتعال. فهو يدلك على الخير، و ينصحك و يرشدك لكن بتعال يجعلك لا ترتاح في صحبته. و رغم ذلك تتكلف و تتصنع لكي تظهر بصورة يرضاها كأن رضاه هو الغاية العظمى. و أنت رغم ذلك تحبه و تتمنى لو تستطيع أن تكون على طبيعتك معه، لكنك لا تستطيع، كأنك منوم مغناطيسيا ، أو كأنما برمجت على هذا، فرغم وعيك التام تجد نفسك تتكلف الكلمات و الحركات و السكنات. فنصيحتي لنفسي ثم لكم : لا تتصنع و لا تتكلف، فإن لم يقبلك صديقك ففي الترك راحة، و إن كان فيه خير فسيجمعكما الله في ما يحب و يرضى.
ثم هناك الصديق الودود. الذي ينصحك إن أخطأت، و يعاتبك إن طغيت ، و يصبر عليك إن جافيت، و أنت كذلك تتقبل ملاحظاته بكل حب، كأنما هو ضميرك متجسد إنسانا أمامك. فأنت تحبه لله، فما جمع بينكما إلا حبه سبحانه في حلقة ذكر أو درس علم. و تسعد إذا تم ذكره و تسر إذا لقيته، و لا ترتبك في لحظات السكوت، فلا تكلف نفسك عناء البحث عن كلمة فارغة تملأ بها الصمت . هذا هو الصديق الودود فنعم الصديق هو.
و النوع الأخيرهو الصديق عن بعد :) تعرفه و يعرفك و لكن معرفة سطحية. تتبادلان رسائل التهنئة في الأعياد و المناسبات، و الرسائل المضحكة و أحيانا المفيدة. تنصحه و ينصحك بالهاتف - نادرا -, أو عن طريق الانترنت - في معظم الأحيان. و تبقى العلاقة بينكما جيدة و لكن ليست بالوطيدة. هذا النوع لا يسبب لك أية مشاكل - إلا في حالات شاذة ، و عندك من هذا النوع العشرات.
و الحمد لله ، أحسبني لدي صديقان من النوع الودود، و آخران من النوع المتعال، و صديق سوء طيب و اخر كريه. و أرجو من الله أن يبارك لي في أصدقائي، و يصلحني و إياهم، و يصرفني عن من لا يرضاه لي و يصرفه عني، و يهدينا أجمعين إلى سواء السبيل.
و الحمد لله رب العالمين
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire